15 - بيان فضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم، من حيث تلقيهم كتاب ربهم هذا التلقي، وإقبالهم عليه هذا الإقبال، والبحث عن لفظة لفظة، والكشف عن صيغة صيغة، وبيان صوابه، وتحرير تصحيحه، وإتقان تجويده، حتى حموه من خلل التحريف، وحفظوه من الطغيان والتطفيف، فلم يهملوا تحريكا ولا تسكينا ولا تفخيما ولا ترقيقا، حتى ضبطوا مقادير المدات وتفاوت الإمالات وميّزوا بين الحروف والصفات، مما لم يهتد إليه فكر أمة من الأمم، ولا يوصل إليه إلّا بإلهام بارئ النسم (1).
16 - ما ادخره الله تعالى من المنقبة العظيمة، والنعمة الجليلة الجسيمة لهذه الأمة الشريفة، من إسنادها كتاب ربها، واتصال هذا السند الإلهي بسندها خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة المحمدية، وإعظاما لقدر أهل هذه الملّة الحنيفية وكل قارئ يوصل حروفه بالنقل إلى أصله، ويرفع ارتياب الملحد قطعا بوصله، فلو لم يكن من الفوائد إلّا هذه الفائدة الجليلة لكفت، ولو لم يكن من الخصائص إلّا هذه الخصيصة النبيلة لوفّت.
17 - ظهور سر الله تعالى في تولية حفظ كتابه العزيز وصيانة كلامه المنزل بأوفى البيان والتمييز فإن الله تعالى لم يخل عصرا من الأعصار، ولا في قطر من الأقطار من إمام حجة قائم بنقل كتاب الله تعالى وإتقان حروفه ورواياته، وتصحيح وجوهه وقراءاته، يكون وجوده سببا
____________
(1) نفس المصدر السابق ونفس الصفحة.