وهذا يقتضي نزولها بمكة وإسناده حسن، وله شاهد عند أبي الشيخ عن سعيد بن جبير يرتقي به إلى درجة الصحيح فهو المعتمد.
وإن يستوي الإسنادان في الصحة فيرجّح أحدهما بكون راويه حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات.
مثاله ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: كنت أمشي مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب فمرّ بنفر من اليهود، فقال بعضهم: لو سألتموه؟ فقالوا: حدثنا عن الروح، فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي، ثم قال: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (2).
وأخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل، فقالوا: اسألوه عن الرّوح، فسألوه، فأنزل الله: ويَسْئَلُونَك عَنِ الرُّوحِ الآية، فهذا يقتضي أنها نزلت بمكة، والأول خلافه وقد رجّح بأن ما رواه البخاري أصحّ من غيره وبأن ابن مسعود كان حاضر القصّة (3).
ما حمل على تعدّد النزول وتكرّره.
____________
(1) سورة الإسراء: الآيات (73، 74، 75، 76).
(2) سورة الإسراء: الآية (85).
(3) نفس المصدر السابق ص 44 وما بعدها.